الدكتور علاء الجرايحي محلب يكتب: أرض التجلي.. أم البلاد وغوث العباد

الدكتور علاء الجرايحي محلب
الدكتور علاء الجرايحي محلب

مصر.. كنانة الله في أرضه، أحببتها بكل مافيها.. في ضعفها وقوتها بقبولها ورفضها في صعوبتها وسهولتها، فهي الأنين والحنين والرواء بعد العطش.
ولما لا وقد فضَّلها اللهُ سبحانه وتعالى، وشهد لها في كتابه الكريم من فوق سبع سماوات بالمنزلة والمكانة وذكرها باسمها صراحة.
وكما ذُكرت مصر بالتصريح ذكرت أيضاً بالتلميح في أكثر من ثلاثين مرة‏ في القرآن الكريم لبيان فضلها، وهو شرف لم يكن لأي دولة خصت بهذا الشرف والتكريم.. قال تعالى بسم الله الرحمن الرحيم "ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ"، صدق الله العظيم.

أوصى بها سيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: «ستفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لكم منهم ذمة ورحما».. رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا بها جندا كثيفاً ؛فذلك الجند خير أجناد الأرض، قال أبو بكر لم يا رسول الله؟ قال لأنهم و أزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة»، فهذه شهادة من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم عن كنانة الله في أرضه.

وفي رحلة الإسراء عندما مر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأرض بيضاء، فقال ما هذه يا أخي يا جبريل؟ قال هذا الوادى المقدس طوى الذى كلم الله عليه موسي، فنزلا وصليا ركعتين، ثم واصلا رحلتهما.. فهذا يؤكد منزلة مصر ومكانتها، لأنها البلد الوحيد فى العالم الذى تجلى عليه الله لسيدنا موسى عليه السلام حين قال: «رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ».

إنها مصر حمى الإسلام بشهادة الرسول صلى الله عليه وسلم ودعاء الأنبياء آدم ونوح ووصفها بالأرض الطيبة المباركة التى هى أم البلاد وغوث العباد.

استغاثه بها العالم أجمع، عندما جعلها الله سلة غذاء العالم وخزائن الأرض، وجاء إليها الناس من كل فج عميق في السنوات العجاف؛ ليأخذوا نصيبهم من الغذاء، بفضل مشورة سيدنا يوسف الذي أنقذ مصر والعالم من المجاعة حينما ادخر القمح وخزَّنه في سنابله.

ويذكرنا التاريخ أيضاً أنه في السنة الـ 18 من الهجرة في عهد سيدنا عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين آنذاك بعد عودة الحجيج من الحج، حُبس المطر من السماء وأجدبت الأرض، وحدث قحط شديد في المدينة وما حولها، وسمي ذلك العام بعام الرمادة فكتب أمير المؤمنين عمر إلى عمرو بن العاص والي مصر: "يا غوثاه يا غوثاه، أنت ومن معك ومَن قِبَلك وما أنت فيه، ونحن ما نحن فيه، فرد عمرو بن العاص: "والله لأرسلن لك قافلة من الأرزاق أولها في المدينة وآخرها عندي"، أي في مصر، هذا فضلاً عما شرَّفها الله بأن كانت ترسل كسوة الكعبة المشرفة على المحمل العظيم لنحو ألف عام.
وهو ما يؤكد أن مصر على الرغم من قوتها عبر التاريخ الفرعوني والإسلامي، فإنها لم تكن يوماً معتدية أو غازية أبدا؛ بل كانت دوماً حامية للدين، وسندًا للعرب والمسلمين في كل مكان وزمان.

كافحت لأجلها وهي من أسستني وساعدتني حتى يقوى بنياني وفكري.. بها سحر لا أستطيع مقاومته، فإن رأيتموني عاشقًا فقد صدقتم؛ لذا أحاول دوماً أن أحافظ عليها تارة بالعمل وتارة بالعلم وتارة بتشجيع ومساندة كل من يحبها ويكافح من أجلها من أهل وأصدقاء وأشقاء، فهي التاريخ الذي يسكن وجداني والكتاب الذي أتعجب من رواياته وأفخر بأني منها ولا أريد غيرها موطناً أو سكنا.. فهي الجنة التي أتنعم بها دوماً، والأصالة التي تجعلني عزيزاً مرفوع الرأس.

أغار عليها من كل متلون يحاول تغيير معالمها بقصد أو بدون قصد، فليس لي مأوى في حياتي غيرها ولا أردت العيش إلا فيها وأتمنى أن تكون مرقدي وسكوني ومماتي.

مصر التاريخ والأصالة والصمود والكفاح.. أنتي دوماً في القلب، كافح آبائي وأجدادي على ترابك، ودائماً محفوظة بأهلك المخلصين وقياداتك الوطنية التي دائماً تعمل على رفعتك وعزتك وعزة شعبك بالبناء والتشييد والتطوير؛ لتكوني دائماً شامخة عالية، فنحن معك في كل الأوقات نساند قادتنا لتنمي وتزدهري وتحتفظين بمكانتك في كل المجالات، ويسطر أولادك التاريخ..

نحافظ على أرضك وترابك وكرامتك بكل ما أوتينا من قوة، فكيف تكون الحياة دون كرامتك وكرامة شعبك الأبي الذي رفض قديمًا كل طرق الاستعمار، وتصدى له بكل قوة وحنكة وسيتصدى دائماً لأي مستعمر دخيل في شئوننا حتى لو حوصرنا اقتصاديا، وحتى لو قطع عنا الهواء والماء والطعام؛ فكيف لنا حياة دون كرامة وكيف لنا حياة ونحن مكبلين لأجل لقمة عيش بمذلة، وكيف لنا حياة بمخططات وأجندات أجنبية تحاول تدمير أصولنا وعراقتنا، وأخذ أراضينا التي استردها آبائنا وأجدادنا بأرواحهم ودمائهم.

 فهل من المنطق والعقل أن نضحي بأرضنا وكرامتنا لأجل المال المطبوع بالمذلة والكراهية والخبث، وإن كانت أغراض هؤلاء المستعمرين طيبة، فلما يسفكون الدماء ويحرضون ويصنعون الجمعات الإرهابية لاستنزاف الشعوب مادياً وفكرياً، ومنعهم من التقدم.

وللأسف يتعاون معهم دول صديقة لأجل الزعامة الإقليمية، والسؤال هنا هل الزعامة تؤخذ بسطوة المال والمكائد؟، أم تمنح بالعطاء والأخوة والمصداقية ومساندة الشقيق لا التآمر عليه؟.

وحمدا لله أننا نملك أجهزة تملك الخبرات والامكانيات؛ لتفسد كل مخططات العدو الذي يحاول بإستمرار نهش قوامنا ومؤسساتنا بأذرع متلونة داخل الوطن، ولكن الشعب المصري والمواطن البسيط يقف مع بلده ووطنه في الصعاب، وسنعبر تلك الأزمة في أقرب وقت بفكر علمائنا ومسئولينا وقيادتنا المحبة لمصر وشعبها فسلام على مصر وأهلها وسلام على مصر من أفاق لئيم.